يُعد الطفل كثير الحركة أو المفرط في النشاط من التحديات الشائعة التي يواجهها الآباء والمربون في العصر الحديث. فبينما يُنظر إلى النشاط والحيوية على أنها علامات على الذكاء والطاقة والإبداع، إلا أن فرط الحركة الزائد قد يتحول إلى مصدر إزعاج للأسرة والمدرسة، خاصة إذا ترافق مع ضعف في الانتباه أو صعوبة في ضبط السلوك. إن فهم طبيعة هذا السلوك والتعامل معه بطريقة علمية وتربوية متوازنة هو المفتاح لنجاح الطفل وتطوره بشكل صحي وسليم.


أولاً: فهم طبيعة الطفل كثير الحركة

الخطوة الأولى في التعامل مع الطفل كثير الحركة هي فهم أن فرط النشاط ليس بالضرورة سلوكًا سيئًا أو متعمّدًا. كثير من الأطفال يمتلكون طاقة جسدية وعقلية تفوق أقرانهم، وهذا يجعلهم دائمين الحركة والفضول، يبحثون عن التجربة والاكتشاف بشكل مستمر.
وفي بعض الحالات، قد يرتبط النشاط الزائد باضطراب يُعرف باسم اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه (ADHD)، وهو اضطراب عصبي سلوكي يجعل الطفل يجد صعوبة في الجلوس بهدوء أو التركيز لفترات طويلة، ويظهر غالباً قبل سن السابعة.

لكن من المهم ألا يسارع الأهل إلى تصنيف الطفل بأنه مصاب باضطراب نفسي، لأن كثيراً من الأطفال الأصحاء يمرّون بمراحل مؤقتة من النشاط الزائد نتيجة عوامل مثل الملل، أو القلق، أو نقص النوم، أو قلة الأنشطة الجسدية المنظمة.


ثانياً: تحديد الأسباب والعوامل المؤثرة

لفهم سلوك الطفل كثير الحركة، يجب النظر إلى العوامل البيئية والنفسية المحيطة به.
من أبرز هذه العوامل:

  1. البيئة المزدحمة أو غير المنظمة: الطفل الذي يعيش في بيئة مليئة بالضوضاء أو الفوضى يجد صعوبة في التركيز ويصبح أكثر نشاطاً.

  2. قلة النوم أو التغذية غير المتوازنة: نقص بعض الفيتامينات أو تناول الأطعمة الغنية بالسكريات قد يؤدي إلى زيادة فرط الحركة.

  3. نقص الاهتمام أو التحفيز: الطفل الذكي الذي لا يجد ما يشغله أو يثير اهتمامه قد يعبر عن الملل بالحركة الزائدة.

  4. التقليد أو جذب الانتباه: في بعض الأحيان يتحرك الطفل كثيراً لأنه وجد أن ذلك يجذب اهتمام الكبار أو يثير رد فعلهم.


ثالثاً: أساليب التعامل التربوي السليم

التعامل مع الطفل كثير الحركة يحتاج إلى الصبر والذكاء العاطفي أكثر من العقاب أو الصراخ.
فيما يلي مجموعة من الأساليب الفعالة:

1. تخصيص وقت للحركة المنظمة

بدلاً من محاولة منع الطفل من الحركة، يجب توجيه طاقته إلى أنشطة منظمة مثل الرياضة، الجري، ركوب الدراجة، أو الرقص. الحركة هي حاجة طبيعية، ومن الأفضل أن تُستخدم بشكل إيجابي بدلاً من كبتها.

2. وضع روتين يومي ثابت

الأطفال ذوو النشاط الزائد يحتاجون إلى روتين واضح ومنظم يساعدهم على توقع ما سيحدث. تحديد أوقات ثابتة للنوم، والدراسة، واللعب، وتناول الطعام، يجعلهم أكثر استقراراً ويقلل من الفوضى.

3. تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة

إذا كان الطفل يجد صعوبة في التركيز على مهمة طويلة، فمن الأفضل تقسيمها إلى أجزاء صغيرة مع فترات راحة قصيرة. هذه الطريقة تساعده على الإنجاز دون الشعور بالملل أو التشتت.

4. استخدام التعزيز الإيجابي

الثناء على السلوك الجيد من أقوى الوسائل التربوية. عندما يلتزم الطفل بالتعليمات أو يجلس بهدوء لفترة، يجب مدحه أو مكافأته بطريقة تحفّزه على التكرار. فالكلمة الطيبة تزرع في نفسه الثقة والانضباط.

5. تجنب العقاب الجسدي أو التوبيخ المستمر

العقاب القاسي أو الصراخ يزيد من توتر الطفل، ويؤدي غالباً إلى نتائج عكسية. من الأفضل استخدام أسلوب الحوار الهادئ والتوجيه مع ضبط الحزم عند الضرورة، بحيث يشعر الطفل أن الحدود موجودة ولكنها عادلة.

6. توفير بيئة تعليمية مناسبة

في المدرسة، يجب التعاون مع المعلمين لتوفير مقعد أمامي للطفل بعيد عن مصادر التشويش، والسماح له بالحركة القصيرة بين الحصص، واستخدام الأنشطة التفاعلية التي تجذب انتباهه.


رابعاً: دور الأهل في دعم الطفل نفسياً

الطفل كثير الحركة يحتاج إلى دعم نفسي وشعور بالأمان العاطفي. عندما يشعر بأنه “مزعج” أو “غير محبوب”، قد تتفاقم حالته. لذلك من المهم أن:

  • يُشعره الوالدان بالحب غير المشروط، أي أن حبهما له لا يتوقف على سلوكه.

  • يتجنبان المقارنة بينه وبين إخوته أو زملائه.

  • يستمعان إليه باهتمام عندما يتحدث، لأن كثيراً من الأطفال المفرطي الحركة يشعرون بعدم التقدير.

  • يُشركانه في اتخاذ القرارات الصغيرة، مثل اختيار ملابسه أو ترتيب غرفته، مما يعزز لديه الإحساس بالمسؤولية.


خامساً: متى يجب استشارة المختصين؟

إذا لاحظ الأهل أن فرط حركة الطفل يؤثر على تحصيله الدراسي أو تواصله الاجتماعي، أو إذا ترافق مع تشتّت انتباه حاد، أو سلوك عدواني، أو صعوبة في النوم، فمن الأفضل مراجعة اختصاصي نفسي أو طبيب أطفال.
التشخيص المبكر يساعد في وضع خطة علاج سلوكي أو دوائي مناسبة، ويمنع تطور المشكلة مع الوقت.